الفرق الثاني: من جهة فاعل الانتفاع، فالإهداء خاص بالآدمي المكلف المتعبد بالطاعات؛ لأنه يهدي ثواب أجر أو عمل صالح، فالذي يعمل العمل الصالح وينفع به وينتفع به هو الآدمي المكلف، أما الدعاء فهو أعم؛ إذ الدعاء يدخل فيه الإنسان المكلف -كمن يدعو لقريبه أو لأخيه المسلم كائناً من كان وهو من الآدميين المكلفين- ويدخل فيه غير المكلفين، مثل الملائكة يدعون ويستغفرون للذين آمنوا، كما في قوله تعالى عنهم: (( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ ))[غافر:7]، والملائكة ليسوا من المكلفين إنما المكلفون هم الثقلان: الجن والإنس، أما الملائكة فلا يتصور منهم الإهداء وإنما يكون منهم الاستغفار، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى، حيث جعل هؤلاء العباد المكرمين الذين اختارهم واصطفاهم وأخبر عنهم بقوله تعالى: (( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ))[التحريم:6] جعلهم يدعون ويستغفرون ويترحمون للمؤمنين، بل إن الحيتان في جوف الماء تستغفر للعالم ومعلم الناس الخير، وكذلك النملة في جحرها، وهذا من عظيم فضل الله سبحانه وتعالى على دعاة الخير والهدى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الذين يعلمون الناس كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وحدود ما أنزل الله على رسوله، فيحصل لهم الأجر والدعاء من دعاء المؤمنين المكلفين ومن دعاء الملائكة، وكذلك دعاء هذه العجماوات، والتمثيل بالحيتان والنمل دال على ما وراءهما، فيستغفر له كل شيء بإذن الله تعالى حتى هذه التي قد لا يتصور الناس أنها تستغفر.